سُورَةُ الضُّحَىٰ

١ - ١١

وَالضُّحَى ﴿١ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴿٢ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴿٣ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأُولَى ﴿٤ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴿٥ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ﴿٦ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴿٧ وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ﴿٨ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ﴿٩ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ ﴿١٠ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴿١١

بيان

قيل: انقطع الوحي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أياما حتى قالوا: إن ربه ودعه فنزلت السورة فطيب الله بها نفسه، و السورة تحتمل المكية و المدنية.

قوله تعالى: «و الضحى و الليل إذا سجى» إقسام، و الضحى - على ما في المفردات، - انبساط الشمس و امتداد النهار و سمي الوقت به، و سجو الليل سكونه و هو غشيان ظلمته.

قوله تعالى: «ما ودعك ربك و ما قلى» التوديع الترك، و القلى بكسر القاف البغض أو شدته، و الآية جواب القسم، و مناسبة نور النهار و ظلمة الليل لنزول الوحي و انقطاعه ظاهرة.

قوله تعالى: «و للآخرة خير لك من الأولى» في معنى الترقي بالنسبة إلى ما تفيده الآية السابقة من كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما هو عليه من موقف الكرامة و العناية الإلهية كأنه قيل: أنت على ما كنت عليه من الفضل و الرحمة ما دمت حيا في الدنيا و حياتك الآخرة خير لك من حياتك الدنيا.

قوله تعالى: «و لسوف يعطيك ربك فترضى» تقرير و تثبيت لقوله: «و للآخرة خير لك من الأولى» و قد اشتمل الوعد على عطاء مطلق يتبعه رضي مطلق.

و قيل: الآية ناظرة إلى الحياتين جميعا دون الحياة الآخرة فقط.

قوله تعالى: «أ لم يجدك يتيما فآوى» الآية و ما يتلوها من الآيتين إشارة إلى بعض نعمه تعالى العظام عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد مات أبوه و هو في بطن أمه ثم ماتت أمه و هو ابن سنتين ثم مات جده الكفيل له و هو ابن ثمان سنين فكفله عمه و رباه.

و قيل: المراد باليتيم الوحيد الذي لا نظير له في الناس كما يقال: در يتيم، و المعنى أ لم يجدك وحيدا بين الناس فآوى الناس إليك و جمعهم حولك.

قوله تعالى: «و وجدك ضالا فهدى» المراد بالضلال عدم الهداية و المراد بكونه (صلى الله عليه وآله وسلم) ضالا حالة في نفسه مع قطع النظر عن هدايته تعالى فلا هدى له (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا لأحد من الخلق إلا بالله سبحانه فقد كانت نفسه في نفسها ضالة و إن كانت الهداية الإلهية ملازمة لها منذ وجدت فالآية في معنى قوله تعالى: «ما كنت تدري ما الكتاب و لا الإيمان»: الشورى: 52، و من هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه: «فعلتها إذا و أنا من الضالين»: الشعراء: 20 أي لم أهتد بهدى الرسالة بعد.

و يقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال الذهاب من العلم كما في قوله: «أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى»: البقرة: 282، و يؤيده قوله: «و إن كنت من قبله لمن الغافلين»: يوسف: 3.

و قيل المعنى وجدك ضالا بين الناس لا يعرفون حقك فهداهم إليك و دلهم عليك.

و قيل: إنه إشارة إلى ضلاله في طريق مكة حينما كانت تجيء به حليمة بنت أبي ذؤيب من البدو إلى جده عبد المطلب على ما روي.

و قيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في شعاب مكة صغيرا.

و قيل: إشارة إلى ما روي من ضلاله في مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة.

و قيل: غير ذلك و هي وجوه ضعيفة ظاهرة الضعف.

قوله تعالى: «و وجدك عائلا فأغنى» العائل الفقير الذي لا مال له و قد كان (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيرا لا مال له فأغناه الله بعد ما تزوج بخديجة بنت خويلد (عليه السلام) فوهبت له مالها و كان لها مال كثير، و قيل المراد بالإغناء استجابة دعوته.

قوله تعالى: «فأما اليتيم فلا تقهر» قال الراغب: القهر الغلبة و التذليل معا و يستعمل في كل واحد منهما، انتهى.

قوله تعالى: «و أما السائل فلا تنهر» النهر هو الزجر و الرد بغلظة.

قوله تعالى: «و أما بنعمة ربك فحدث» التحديث بالنعمة ذكرها قولا و إظهارها فعلا و ذلك شكرها، و هذه الأوامر عامة للناس و إن كانت موجهة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

و الآيات الثلاث متفرعة على الآيات الثلاث التي تسبقها و تذكر نعمه تعالى عليه كأنه قيل: فقد وجدت ما يجده اليتيم من ذلة اليتيم و انكساره فلا تقهر اليتيم باستذلاله في نفسه أو ماله، و وجدت مرارة حاجة الضال إلى الهدى و العائل إلى الغنى فلا تزجر سائلا يسألك رفع حاجته إلى هدى أو معاش، و وجدت أن ما عندك نعمة أنعمها عليك ربك بجوده و كرمه و رحمته فاشكر نعمته بالتحديث بها و لا تسترها.

بحث روائي

في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و الضحى» قال: إذا ارتفعت الشمس «و الليل إذا سجى» قال: إذا أظلم.

و فيه،: في قوله تعالى «و ما قلى» قال: لم يبغضك.

و في الدر المنثور،: في قوله تعالى: «و لسوف يعطيك ربك فترضى»: أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا «و لسوف يعطيك ربك فترضى».

و فيه، أخرج العسكري في المواعظ و ابن لآل و ابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فاطمة و هي تطحن بالرحى و عليها كساء من حلة الإبل فلما نظر إليها قال: يا فاطمة تعجلي فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا فأنزل الله «و لسوف يعطيك ربك فترضى».

أقول: تحتمل الرواية نزول الآية وحدها بعد نزول بقية آيات السورة قبلها ثم الإلحاق و تحتمل نزولها وحدها ثانيا.

و فيه، أخرج ابن المنذر و ابن مردويه و أبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أ رأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أ حق هي؟ قال: إي و الله حدثني عمي محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أشفع لأمتي حتى يناديني ربي: أ رضيت يا محمد؟ فأقول: نعم يا رب رضيت. ثم أقبل علي فقال: إنكم تقولون يا معشر أهل العراق، إن أرجى آية في كتاب الله: «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم - لا تقنطوا من رحمة الله - إن الله يغفر الذنوب جميعا» قلت: إنا لنقول ذلك، قال: فكلنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله «و لسوف يعطيك ربك فترضى» الشفاعة.

و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن ابن الجهم عن الرضا (عليه السلام) في مجلس المأمون قال: قال الله تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «أ لم يجدك يتيما فآوى» يقول: أ لم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس؟ «و وجدك ضالا» يعني عند قومك «فهدى» أي هداهم إلى معرفتك؟ «و وجدك عائلا فأغنى» يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا؟ فقال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله.

و فيه، عن البرقي بإسناده عن عمرو بن أبي نصر قال: حدثني رجل من أهل البصرة قال: رأيت الحسين بن علي (عليهما السلام) و عبد الله بن عمر يطوفان بالبيت فسألت ابن عمر فقلت: قول الله تعالى: «و أما بنعمة ربك فحدث» قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه. ثم إني قلت للحسين بن علي (عليهما السلام): قول الله تعالى: «و أما بنعمة ربك فحدث» قال: أمره أن يحدث بما أنعم الله عليه من دينه.

و في الدر المنثور، عن البيهقي عن الحسن بن علي في قوله: «و أما بنعمة ربك فحدث» قال: إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك.

و فيه، أخرج أبو داود عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أبلى بلاء فذكره فقد شكره و من كتمه فقد كفره، و من تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوب زور.