سُورَةُ الحَجِّ

٢٥ - ٣٧

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٢٥ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿٢٦ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٢٩ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴿٣٠ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴿٣١ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴿٣٢ لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٣٣ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴿٣٤ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣٥ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٣٦ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٧

بيان

تذكر الآيات صد المشركين للمؤمنين عن المسجد الحرام و تقرعهم بالتهديد و تشير إلى تشريع حج البيت لأول مرة لإبراهيم (عليه السلام) و أمره بتأذين الحج في الناس و جملة من أحكام الحج.

قوله تعالى: «الذين كفروا و يصدون عن سبيل الله و المسجد الحرام الذي جعلناه للناس» إلخ.

الصد المنع، و «سواء» مصدر بمعنى الفاعل، و العكوف في المكان الإقامة فيه، و البادي من البدو و هو الظهور، و المراد به - كما قيل - الطارىء أي الذي يقصده من خارج فيدخله، و الإلحاد الميل إلى خلاف الاستقامة و أصله إلحاد حافر الدابة.

و المراد بالذين كفروا مشركوا مكة الذين كفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أول البعثة قبل الهجرة و كانوا يمنعون الناس عن الإسلام و هو سبيل الله و المؤمنين عن دخول المسجد الحرام لطواف الكعبة و إقامة الصلاة و سائر المناسك فقوله: «يصدون» للاستمرار و لا ضير في عطفه على الفعل الماضي في قوله «الذين كفروا» و المعنى الذين كفروا قبل و يستمرون على منع الناس عن سبيل الله و المؤمنين عن المسجد الحرام.

و بذلك يظهر أن قوله: «و المسجد الحرام» عطف على «سبيل الله» و المراد بصده منعهم المؤمنين عن أداء العبادات و المناسك فيه و كان من لوازمه منع القاصدين للبيت من خارج مكة من دخولها.

و به يتبين أن المراد بقوله: «الذي جعلناه للناس» - و هو وصف المسجد الحرام - جعله لعبادة الناس لا تمليك رقبته لهم فالناس يملكون أن يعبدوا الله فيه ليس لأحد أن يمنع أحدا من ذلك ففيه إشارة إلى أن منعهم و صدهم عن المسجد الحرام تعد منهم إلى حق الناس و إلحاد بظلم كما أن إضافة السبيل إلى الله تعد منهم إلى حق الله تعالى.

و يؤيد ذلك أيضا تعقيبه بقوله: «سواء العاكف فيه و الباد» أي المقيم فيه و الخارج منه مساويان في أن لهما حق العبادة فيه لله، و المراد بالإقامة فيه و في الخارج منه إما الإقامة بمكة و في الخارج منها على طريق المجاز العقلي أو ملازمة المسجد للعبادة و الطرو عليه لها.

و قوله: «و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» بيان لجزاء من ظلم الناس في هذا الحق المشروع لهم في المسجد و لازمه تحريم صد الناس عن دخوله للعبادة فيه و مفعول «يرد» محذوف للدلالة على العموم، و الباء في «بإلحاد» للملابسة و في «بظلم» للسببية و الجملة تدل على خبر قوله: «إن الذين كفروا» في صدر الآية.

و المعنى الذين كفروا و لا يزالون يمنعون الناس عن سبيل الله و هو دين الإسلام و يمنعون المؤمنين عن المسجد الحرام الذي جعلناه معبدا للناس يستوي فيه العاكف فيه و البادي نذيقهم.

من عذاب أليم لأنهم يريدون الناس فيه بإلحاد بظلم و من يرد الناس فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم.

و للمفسرين في إعراب مفردات الآية و جملها أقاويل كثيرة جدا و لعل ما أوردناه أنسب للسياق.

قوله تعالى: «و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا و طهر بيتي للطائفين و القائمين و الركع السجود» بوء له مكانا كذا أي جعله مباءة و مرجعا له يرجع إليه و يقصده، و المكان ما يستقر عليه الشيء فمكان البيت القطعة من الأرض التي بني فيها، و المراد بالقائمين على ما يعطيه السياق هم الناصبون أنفسهم للعبادة و الصلاة.

و الركع جمع راكع كسجد جمع ساجد و السجود جمع ساجد كالركوع جمع راكع.

و قوله: «و إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت» الظرف فيه متعلق بمقدر أي و اذكر وقت كذا و فيه تذكير لقصة جعل البيت معبدا للناس ليتضح به أن صد المؤمنين عن المسجد الحرام ليس إلا إلحادا بظلم.

و تبوئته تعالى مكان البيت لإبراهيم هي جعل مكانه مباءة و مرجعا لعبادته لا لأن يتخذه بيت سكنى يسكن فيه، و يلوح إليه قوله بعد «طهر بيتي» بإضافة البيت إلى نفسه، و لا ريب أن هذا الجعل كان وحيا لإبراهيم فقوله: «بوأنا لإبراهيم مكان البيت» في معنى قولنا: أوحينا إلى إبراهيم أن اتخذ هذا المكان مباءة و مرجعا لعبادتي و إن شئت فقل: أوحينا إليه أن اقصد هذا المكان لعبادتي، و بعبارة أخرى أن اعبدني في هذا المكان.

و بذلك يتضح أن «أن» في قوله: «أن لا تشرك بي شيئا» مفسرة تفسر الوحي السابق باعتباره أنه قول من غير حاجة إلى تقدير أوحينا أو قلنا و نحوه.

و يتضح أيضا أن قوله: «أن لا تشرك بي شيئا» ليس المراد به - و هو واقع في هذا السياق - النهي عن الشرك مطلقا و إن كان منهيا عنه مطلقا بل المنهي عنه فيه هو الشرك في العبادة التي يأتي بها حينما يقصد البيت للعبادة و بعبارة واضحة الشرك فيما يأتي به من أعمال الحج كالتلبية للأوثان و الإهلال لها و نحوهما.

و كذا قوله: «و طهر بيتي للطائفين و القائمين و الركع السجود» و التطهير إزالة الأقذار و الأدناس عن الشيء ليعود إلى ما يقتضيه طبعه الأولي، و قد أضاف البيت إلى نفسه إذ قال: «بيتي» أي بيتا يختص بعبادتي، و تطهير المعبد بما أنه معبد تنزيهه من الأعمال الدنسة و الأرجاس التي تفسد العبادة و ليست إلا الشرك و مظاهره.

فتطهير بيته إما تنزيهه من الأرجاس المعنوية خاصة بأن يشرع إبراهيم (عليه السلام) للناس و يعلمهم طريقا من العبادة لا يداخلها قذارة شرك و لا يدنسها دنسه كما أمر لنفسه بذلك، و إما إزالة مطلق النجاسات عن البيت أعم من الصورية و المعنوية لكن الذي يمس سياق الآية منها هو الرجس المعنوي فمحصل تطهير المعبد عن الأرجاس المعنوية و تنزيهه عنها للعباد الذين يقصدونه بالعبادة وضع عبادة فيه خالصة لوجه الله لا يشوبها شائب شرك يعبدون الله سبحانه بها و لا يشركون به شيئا.

فالمعنى بناء على ما يهدي إليه السياق و اذكر إذ أوحينا إلى إبراهيم أن اعبدني في بيتي هذا بأخذه مباءة و مرجعا لعبادتي و لا تشرك بي شيئا في عبادتي و سن لعبادي القاصدين بيتي من الطائفين و القائمين و الركع السجود عبادة في بيتي خالصة من الشرك.

و في الآية تلويح إلى أن عمدة عبادة القاصدين له طواف و قيام و ركوع و سجود و إشعار بأن الركوع و السجود متقاربان كالمتلازمين لا ينفك أحدهما عن الآخر.

و مما قيل في الآية أن قوله: «بوأنا» معناه «قلنا تبوء» و قيل: معناه «أعلمنا» و من ذلك أن «أن» في قوله: «أن لا» مصدرية و قيل: مخففة من الثقيلة، و من ذلك أن المراد بالطائفين الطارءون و بالقائمين المقيمون بمكة، و قيل: المراد بالقائمين و الركع السجود: المصلون، و هي جميعا وجوه بعيدة.

قوله تعالى: «و أذن في الناس بالحج يأتوك رجالا و على كل ضامر يأتين من كل فج عميق» التأذين: الإعلام برفع الصوت و لذا فسر بالنداء، و الحج القصد سمي به العمل الخاص الذي شرعه أولا إبراهيم (عليه السلام) و جرت عليه شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لما فيه من قصد البيت الحرام، و رجال جمع راجل خلاف الراكب، و الضامر المهزول الذي أضمره السير، و الفج العميق - على ما قيل - الطريق البعيد.

و قوله: «و أذن في الناس بالحج» أي ناد الناس بقصد البيت أو بعمل الحج و الجملة معطوفة على قوله: «لا تشرك بي شيئا» و المخاطب به إبراهيم و ما قيل: إن المخاطب نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعيد من السياق.

و قوله: «يأتوك رجالا» إلخ، جواب الأمر أي أذن فيهم و أن تؤذن فيهم يأتوك راجلين و على كل بعير مهزول يأتين من كل طريق بعيد، و لفظة «كل» تفيد في أمثال هذه الموارد معنى الكثرة دون الاستغراق.

قوله تعالى: «ليشهدوا منافع لهم و يذكروا اسم الله في أيام معلومات» إلخ، اللام للتعليل أو الغاية و الجار و المجرور متعلق بقوله: «يأتوك» و المعنى يأتوك لشهادة منافع لهم أو يأتوك فيشهدوا منافع لهم و قد أطلقت المنافع و لم تتقيد بالدنيوية أو الأخروية.

و المنافع نوعان: منافع دنيوية و هي التي تتقدم بها حياة الإنسان الاجتماعية و يصفو بها العيش و ترفع بها الحوائج المتنوعة و تكمل بها النواقص المختلفة من أنواع التجارة و السياسة و الولاية و التدبير و أقسام الرسوم و الآداب و السنن و العادات و مختلف التعاونات و التعاضدات الاجتماعية و غيرها.

فإذا اجتمعت أقوام و أمم من مختلف مناطق الأرض و أصقاعها على ما لهم من اختلاف الأنساب و الألوان و السنن و الآداب ثم تعارفوا بينهم و كلمتهم واحدة هي كلمة الحق و إلههم واحد و هو الله عز اسمه و وجهتهم واحدة هي الكعبة البيت الحرام حملهم اتحاد الأرواح على تقارب الأشباح و وحدة القول على تشابه الفعل فأخذ هذا من ذاك ما يرتضيه و أعطاه ما يرضيه، و استعان قوم بآخرين في حل مشكلتهم و أعانوهم بما في مقدرتهم فيبدل كل مجتمع جزئي مجتمعا أرقى، ثم امتزجت المجتمعات فكونت مجتمعا وسيعا له من القوة و العدة ما لا تقوم له الجبال الرواسي، و لا تقوى عليه أي قوة جبارة طاحنة، و لا وسيلة إلى حل مشكلات الحياة كالتعاضد و لا سبيل إلى التعاضد كالتفاهم، و لا تفاهم كتفاهم الدين.

و منافع أخروية و هي وجوه التقرب إلى الله تعالى بما يمثل عبودية الإنسان من قول و فعل و عمل الحج بما له من المناسك يتضمن أنواع العبادات من التوجه إلى الله و ترك لذائذ الحياة و شواغل العيش و السعي إليه بتحمل المشاق و الطواف حول بيته و الصلاة و التضحية و الإنفاق و الصيام و غير ذلك.

و قد تقدم فيما مر أن عمل الحج بما له من الأركان و الأجزاء يمثل دورة كاملة مما جرى على إبراهيم (عليه السلام) في مسيره في مراحل التوحيد و نفي الشريك و إخلاص العبودية لله سبحانه.

فإتيان الناس إبراهيم (عليه السلام) أي حضورهم عند البيت لزيارته يستعقب شهودهم هذه المنافع أخرويها و دنيويها و إذا شهدوها تعلقوا بها فالإنسان مجبول على حب النفع.

و قوله: «و يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام» قال الراغب: و البهيمة ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام لكن خص في التعارف بما عدا السباع و الطير فقال تعالى: «أحلت لكم بهيمة الأنعام».

انتهى.

و قال: و النعم مختص بالإبل و جمعه أنعام و تسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة، لكن الأنعام تقال للإبل و البقر و الغنم، و لا يقال لها: أنعام حتى تكون في جملتها الإبل.

انتهى.

فالمراد ببهيمة الأنعام الأنواع الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم من معز أو ضأن و الإضافة بيانية.

و الجملة أعني قوله: «و يذكروا»، إلخ معطوف على قوله: «يشهدوا» أي و ليذكروا اسم الله في أيام معلومات أي في أيام التشريق على ما فسرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و هي يوم الأضحى عاشر ذي الحجة و ثلاثة أيام بعده.

و ظاهر قوله: «على ما رزقهم من بهيمة الأنعام» أنه متعلق بقوله: «يذكروا» و قوله: «من بهيمة الأنعام» بيان للموصول و المراد ذكرهم اسم الله على البهيمة - الأضحية - عند ذبحها أو نحوها على خلاف ما كان المشركون يهلونها لأصنامهم.

و قد ذكر الزمخشري أن قوله: «و يذكروا اسم الله» إلخ كناية عن الذبح و النحر و يبعده أن في الكلام عناية خاصة بذكر اسمه تعالى بالخصوص و العناية في الكناية متعلقة بالمكني عنه دون نفس الكناية، و يظهر من بعضهم أن المراد مطلق ذكر اسم الله في أيام الحج و هو كما ترى.

و قوله: «فكلوا منها و أطعموا البائس الفقير» البائس من البؤس و هو شدة الضر و الحاجة، و الذي اشتمل عليه الكلام حكم ترخيصي إلزامي.

قوله تعالى: «ثم ليقضوا تفثهم و ليوفوا نذورهم و ليطوفوا بالبيت العتيق» التفث شعث البدن، و قضاء التفث إزالة ما طرأ بالإحرام من الشعث بتقليم الأظفار و أخذ الشعر و نحو ذلك و هو كناية عن الخروج من الإحرام.

و المراد بقوله: «و ليوفوا نذورهم» إتمام ما لزمهم بنذر أو نحوه، و بقوله: «و ليطوفوا بالبيت العتيق» طواف النساء على ما في تفسير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فإن الخروج من الإحرام يحلل له كل ما حرم به إلا النساء فتحل بطواف النساء و هو آخر العمل.

و البيت العتيق هو الكعبة المشرفة سميت به لقدمه فإنه أول بيت بني لعبادة الله كما قال تعالى: «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى للعالمين:» آل عمران: 96، و قد مضى على هذا البيت اليوم زهاء أربعة آلاف سنة و هو معمور و كان له يوم نزول الآيات أكثر من ألفين و خمسمائة سنة.

قوله تعالى: «ذلك و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه» إلى آخر الآية الحرمة، ما لا يجوز انتهاكه و وجب رعايته، و الأوثان جمع وثن و هو الصنم، و الزور الميل عن الحق و لذا يسمى الكذب و قول الباطل زورا.

و قوله: «ذلك» أي الأمر ذلك أي الذي شرعناه لإبراهيم (عليه السلام) و من بعده من نسك الحج هو ذلك الذي ذكرناه و أشرنا إليه من الإحرام و الطواف و الصلاة و التضحية بالإخلاص لله و التجنب عن الشرك.

و قوله: «و من يعظم حرمات الله فهو خير له» ندب إلى تعظيم حرمات الله و هي الأمور التي نهى عنها و ضرب دونها حدودا منع عن تعديها و اقتراف ما وراءها و تعظيمها الكف عن التجاوز إليها.

و الذي يعطيه السياق أن هذه الجملة توطئة و تمهيد لما بعدها من قوله «و أحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم» فإن انضمام هذه الجملة إلى الجملة قبلها يفيد أن الأنعام - على كونها مما رزقهم الله و قد أحلها لهم - فيها حرمة إلهية و هي التي يدل عليها الاستثناء - إلا ما يتلى عليكم -.

و المراد بقوله ما يتلى عليكم» استمرار التلاوة، فإن محرمات الأكل نزلت في سورة الأنعام و هي مكية و في سورة النحل و هي نازلة في آخر عهده (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة و أول عهده بالمدينة، و في سورة البقرة و قد نزلت في أوائل الهجرة بعد مضي ستة أشهر منها - على ما روي - و لا موجب لجعل «يتلى» للاستقبال و أخذه إشارة إلى آية سورة المائدة كما فعلوه.

و الآيات المتضمنة لمحرمات الأكل و إن تضمنت منها عدة أمور كالميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهل به لغير الله إلا أن العناية في الآية بشهادة سياق ما قبلها و ما بعدها بخصوص ما أهل به لغير الله فإن المشركين كانوا يتقربون في حجهم - و هو السنة الوحيدة الباقية بينهم من ملة إبراهيم - بالأصنام المنصوبة على الكعبة و على الصفا و على المروة و بمنى و يهلون بضحاياهم لها فالتجنب منها و من الإهلال بذكر أسمائها هو الغرض المعنى به من الآية و إن كان أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير أيضا من جملة حرمات الله.

و يؤيد ذلك أيضا تعقيب الكلام بقوله: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور» فإن اجتناب الأوثان و اجتناب قول الزور و إن كانا من تعظيم حرمات الله و لذلك تفرع «فاجتنبوا الرجس» على ما تقدمه من قوله: «و من يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه» لكن تخصيص هاتين الحرمتين من بين جميع الحرمات في سياق آيات الحج بالذكر ليس إلا لكونهما مبتلى بهما في الحج يومئذ و إصرار المشركين على التقرب من الأصنام هناك و إهلال الضحايا باسمها.

و بذلك يظهر أن قوله: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور» نهي عام عن التقرب إلى الأصنام و قول الباطل أورد لغرض التقرب إلى الأصنام في عمل الحج كما كانت عادة المشركين جارية عليه، و عن التسمية باسم الأصنام على الذبائح من الضحايا، و على ذلك يبتني التفريع بالفاء.

و في تعليق حكم الاجتناب أولا بالرجس ثم بيانه بقوله: «من الأوثان» إشعار بالعلية كأنه قيل: اجتنبوا الأوثان لأنها رجس و في تعليقه بنفس الأوثان دون عبادتها أو التقرب أو التوجه إليها أو مسها و نحو ذلك - مع أن الاجتناب إنما يتعلق على الحقيقة بالأعمال دون الأعيان - مبالغة ظاهرة.

و قد تبين بما مر أن «من» في قوله: «من الأوثان» بيانية، و ذكر بعضهم أنها ابتدائية، و المعنى: اجتنبوا الرجس الكائن من الأوثان و هو عبادتها، و ذكر آخرون أنها تبعيضية، و المعنى: اجتنبوا الرجس الذي هو بعض جهات الأوثان و هو عبادتها، و في الوجهين من التكلف و إخراج معنى الكلام عن استقامته ما لا يخفى.

قوله تعالى: «حنفاء لله غير مشركين به و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير» إلخ، الحنفاء جمع حنيف و هو المائل من الأطراف إلى حاق الوسط.

و كونهم حنفاء لله ميلهم عن الأغيار و هي الآلهة من دون الله إليه فيتحد مع قوله غير مشركين به معنى.

و هما أعني قوله: «حنفاء لله» و قوله: «غير مشركين به» حالان عن فاعل «فاجتنبوا» أي اجتنبوا التقرب من الأوثان و الإهلال لها حال كونكم مائلين إليه ممن سواه غير مشركين به في حجكم فقد كان المشركون يلبون في الحج بقولهم: لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه و ما ملك.

و قوله: «و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير» أي تأخذه بسرعة، شبه المشرك في شركه و سقوطه به من أعلى درجات الإنسانية إلى هاوية الضلال فيصيده الشيطان، بمن سقط من السماء فتأخذه الطير.

و قوله: «أو تهوي به الريح في مكان سحيق» أي بعيد في الغاية و هو معطوف على «تخطفه الطير» تشبيه آخر من جهة البعد.

قوله تعالى: «ذلك و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب» «ذلك» خبر لمبتدإ محذوف أي الأمر ذلك الذي قلنا، و الشعائر جمع شعيرة و هي العلامة، و شعائر الله الأعلام التي نصبها الله تعالى لطاعته كما قال: «إن الصفا و المروة من شعائر الله» و قال: «و البدن جعلناها لكم من شعائر الله» الآية.

و المراد بها البدن التي تساق هديا و تشعر أي يشق سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنها هدي على ما في تفسير أئمة أهل البيت (عليهم السلام) و يؤيده ظاهر قوله تلوا: «لكم فيها منافع» إلخ، و قوله بعد: «و البدن جعلناها» الآية، و قيل: المراد بها جميع الأعلام المنصوبة للطاعة، و السياق لا يلائمه.

و قوله: «فإنها من تقوى القلوب» أي تعظيم الشعائر الإلهية من التقوى، فالضمير لتعظيم الشعائر المفهوم من الكلام ثم كأنه حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه فأرجع إليه الضمير.

و إضافة التقوى إلى القلوب للإشارة إلى أن حقيقة التقوى و هي التحرز و التجنب عن سخطه تعالى و التورع عن محارمه أمر معنوي يرجع إلى القلوب و هي النفوس و ليست هي جسد الأعمال التي هي حركات و سكنات فإنها مشتركة بين الطاعة و المعصية كالمس في النكاح و الزنا، و إزهاق الروح في القتل قصاصا أو ظلما و الصلاة المأتي بها قربة أو رياء و غير ذلك، و لا هي العناوين المنتزعة من الأفعال كالإحسان و الطاعة و نحوها.

قوله تعالى: «لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق» المحل بكسر الحاء اسم زمان بمعنى وقت حلول الأجل، و ضمير فيها للشعائر، و المعنى على تقدير كون المراد بالشعائر بدن الهدي أن لكم في هذه الشعائر - و هي البدن - منافع من ركوب ظهرها و شرب ألبانها عند الحاجة إلى أجل مسمى هو وقت نحرها ثم محلها أي وقت حلول أجلها للنحر منته إلى البيت العتيق أو بانتهائها إليه، و الجملة في معنى قوله: «هديا بالغ الكعبة» هذا على تفسير أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

و أما على القول بكون المراد بالشعائر مناسك الحج فقيل المراد بالمنافع التجارة إلى أجل مسمى ثم محل هذه المناسك و منتهاها إلى البيت العتيق لأن آخر ما يأتي به من الأعمال الطواف بالبيت.

قوله تعالى: «و لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام» إلى آخر الآية.

المنسك مصدر ميمي و اسم زمان و مكان، و ظاهر قوله: «ليذكروا اسم الله» إلخ أنه مصدر ميمي بمعنى العبادة و هي العبادة التي فيها ذبح و تقريب قربان.

و المعنى: و لكل أمة - من الأمم السالفة المؤمنة - جعلنا عبادة من تقريب القرابين ليذكروا اسم الله على بهيمة الأنعام التي رزقهم الله أي لستم معشر أتباع إبراهيم أول أمة شرعت لهم التضحية و تقريب القربان فقد شرعنا لمن قبلكم ذلك.

و قوله: «فإلهكم إله واحد فله أسلموا» أي إذ كان الله سبحانه هو الذي شرع لكم و للأمم قبلكم هذا الحكم فإلهكم و إله من قبلكم إله واحد فأسلموا و استسلموا له بإخلاص عملكم له و لا تتقربوا في قرابينكم إلى غيره فالفاء في «فإلهكم» لتفريع السبب على المسبب و في قوله: «فله أسلموا» لتفريع المسبب على السبب.

و قوله: «و بشر المخبتين» فيه تلويح إلى أن من أسلم لله في حجه مخلصا فهو من المخبتين، و قد فسره بقوله: «الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و الصابرين على ما أصابهم و المقيمي الصلاة و مما رزقناهم ينفقون» و انطباق الصفات المعدودة في الآية و هي الوجل و الصبر و إقامة الصلاة و الإنفاق، على من حج البيت مسلما لربه معلوم.

قوله تعالى: «و البدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير» إلى آخر الآية البدن بالضم فالسكون جمع بدنة بفتحتين و هي السمينة الضخمة من الإبل، و السياق أنها من الشعائر باعتبار جعلها هديا.

و قوله: «فاذكروا اسم الله عليها صواف» الصواف جمع صافة و معنى كونها صافة أن تكون قائمة قد صفت يداها و رجلاها و جمعت و قد ربطت يداها.

و قوله: «فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها و أطعموا القانع و المعتر» الوجوب السقوط يقال: وجبت الشمس أي سقطت و غابت، و الجنوب جمع جنب، و المراد بوجوب جنوبها سقوطها على الأرض على جنوبها و هو كناية عن موتها، و الأمر في قوله: «فكلوا منها» للإباحة و ارتفاع الحظر، و القانع هو الفقير الذي يقنع بما أعطيه سواء سأل أم لا، و المعتر هو الذي أتاك و قصدك من الفقراء، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: «لن ينال الله لحومها و لا دماؤها و لكن يناله التقوى منكم» إلى آخر الآية.

بمنزلة دفع الدخل كأن متوهما بسيط الفهم يتوهم أن لله سبحانه نفعا في هذه الضحايا و لحومها و دمائها فأجيب أن الله سبحانه لن يناله شيء من لحومها و دمائها لتنزهه عن الجسمية و عن كل حاجة و إنما يناله التقوى نيلا معنويا فيقرب المتصفين به منه تعالى.

أو يتوهم أن الله سبحانه لما كان منزها عن الجسمية و عن كل نقص و حاجة و لا ينتفع بلحم أو دم فما معنى التضحية بهذه الضحايا فأجيب بتقرير الكلام و أن الأمر كذلك لكن هذه التضحية يصحبها صفة معنوية لمن يتقرب بها و هذه الصفة المعنوية من شأنها أن تنال الله سبحانه بمعنى أن تصعد إليه تعالى و تقرب صاحبها منه تقريبا لا يبقى معه بينه و بينه حجاب يحجبه عنه.

و قوله: «كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم» الظاهر أن المراد بالتكبير ذكره تعالى بالكبرياء و العظمة، فالهداية هي هدايته إلى طاعته و عبوديته و المعنى كذلك سخرها لكم ليكون تسخيرها وصلة إلى هدايتكم إلى طاعته و التقرب إليه بتضحيتها فتذكروه بالكبرياء و العظمة على هذه الهداية.

و قيل: المراد بالتكبير معرفته تعالى بالعظمة و بالهداية الهداية إلى تسخيرها و المعنى كذلك سخرها لكم لتعرفوا الله بالعظمة على ما هداكم إلى طريق تسخيرها.

و أول الوجهين أوجه و أمس بالسياق فإن التعليل عليه بأمر مرتبط بالمقام و هو تسخيرها لتضحى و يتقرب بها إلى الله فيذكر تعالى بالكبرياء على ما هدى إلى هذه العبادة التي فيها رضاه و ثوابه، و أما مطلق تسخيرها لهم بالهداية إلى طريق تسخيرها لهم فلا اختصاص له بالمقام.

و قوله: «و بشر المحسنين» أي الذين يأتون بالأعمال الحسنة أو بالإحسان و هو الإنفاق في سبيل الله.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: في قوله تعالى: «و من يرد فيه بإلحاد» إلخ قال: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أنيس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه مع رجلين أحدهما مهاجري و الآخر من الأنصار فافتخروا في الأنساب فغضب عبد الله بن أنيس فقتل الأنصاري ثم ارتد عن الإسلام و هرب إلى مكة فنزلت فيه «و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» يعني من لجأ إلى الحرام بإلحاد يعني بميل عن الإسلام.

أقول: نزول الآية فيما ذكر لا يلائم سياقها و رجوع الذيل إلى الصدر و كونه متمما لمعناه كما مر.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «إن الذين كفروا» إلى قوله «و الباد» قال: نزلت في قريش حين صدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مكة، و قوله: «سواء العاكف فيه و الباد» قال: أهل مكة و من جاء من البلدان فهم سواء لا يمنع من النزول و دخول الحرم و في التهذيب، بإسناده عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكر أبو عبد الله (عليه السلام) هذه الآية «سواء العاكف فيه و الباد» فقال كانت مكة ليس على شيء منها باب، و كان أول من علق على بابه المصراعين معاوية بن أبي سفيان، و ليس ينبغي لأحد أن يمنع الحاج شيئا من الدور و منازلها.

أقول: و الروايات في هذا المعنى كثيرة و تحرير المسألة في الفقه.

و في الكافي، عن ابن أبي عمير عن معاوية قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و من يرد فيه بإلحاد بظلم» قال: كل ظلم إلحاد، و ضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد.

و فيه، بإسناده عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل: «و من يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم» فقال: كل ظلم يظلم الرجل نفسه بمكة من سرقة أو ظلم أحد أو شيء من الظلم فإني أراه إلحادا، و لذلك كان يتقي أن يسكن الحرم.

أقول: و رواه أيضا في العلل عن أبي الصباح عنه (عليه السلام) و فيه: و لذلك كان ينهى أن يسكن الحرم، و في معنى هذه الرواية و التي قبلها روايات أخر.

و في الكافي، أيضا بإسناده عن الربيع بن خثيم قال: شهدت أبا عبد الله (عليه السلام) و هو يطاف به حول الكعبة في محمل و هو شديد المرض فكان كلما بلغ الركن اليماني أمرهم فوضعوه بالأرض فأخرج يده من كوة المحمل حتى يجرها على الأرض ثم يقول: ارفعوني. فلما فعل ذلك مرارا في كل شوط قلت له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إن هذا يشق عليك فقال: إني سمعت الله عز و جل يقول: «ليشهدوا منافع لهم» فقلت: منافع الدنيا أو منافع الآخرة؟ فقال: الكل. و في المجمع، في الآية و قيل: منافع الآخرة و هي العفو و المغفرة و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).

أقول: و إثبات إحدى المنفعتين لا ينفي العموم كما في الرواية السابقة.

و في العيون، فيما كتبه الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: و علة الحج الوفادة إلى الله عز و جل و طلب الزيادة و الخروج من كل ما اقترف و ليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل، و ما فيه من استخراج الأموال و تعب الأبدان، و حظرها عن الشهوات و اللذات و التقرب بالعبادة إلى الله عز و جل و الخضوع و الاستكانة. و الذل شاخصا في الحر و البرد و الأمن و الخوف، دائبا في ذلك دائما. و ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، و الرغبة و الرهبة إلى الله تعالى، و منه ترك قساوة القلب و جساءة النفس و نسيان الذكر و انقطاع الرجاء و الأمل، و تجديد الحقوق و حظر النفس عن الفساد، و منفعة من في شرق الأرض و غربها و من في البر و البحر ممن يحج و من لا يحج من تاجر و جالب و بائع و مشتر و كاسب و مسكين، و قضاء حوائج أهل الأطراف و المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم.

أقول و روى فيه أيضا ما يقرب منه عن الفضل بن شاذان عنه (عليه السلام):.

و في المعاني، بإسناده عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «و يذكروا اسم الله في أيام معلومات» قال: هي أيام التشريق.

أقول: و في هذا المعنى روايات أخر عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)، و هناك ما يعارضها كما يدل على أن الأيام المعلومات عشر ذي الحجة، و ما يدل على أن المعلومات عشر ذي الحجة و المعدودات أيام التشريق، و الآية أشد ملاءمة لما يدل على أن المراد بالمعلومات أيام التشريق.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الصباح الكناني عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: «ثم ليقضوا تفثهم» قال: هو الحلق و ما في جلد الإنسان.

و في الفقيه، في رواية البزنطي عن الرضا (عليه السلام) قال: التفث تقليم الأظفار و طرح الوسخ و طرح الإحرام عنه.

و في التهذيب، بإسناده عن حماد الناب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و ليطوفوا بالبيت العتيق» قال: هو طواف النساء.

أقول: و في معنى الروايات الثلاث روايات أخرى عنهم (عليهم السلام).

و في الكافي، بإسناده عن أبان عمن أخبره عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت: لم سمى الله البيت العتيق؟ قال: هو بيت حر عتيق من الناس لم يملكه أحد.

و في تفسير القمي، حدثني أبي عن صفوان بن يحيى عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث يذكر فيه غرق قوم نوح قال: و إنما سمي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق.

و في الدر المنثور، أخرج البخاري في تاريخه و الترمذي و حسنه و ابن جرير و الطبراني و الحاكم و صححه و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنما سمى الله البيت العتيق لأن الله أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط.

أقول: أما هذه الرواية فالتاريخ لا يصدقها و قد خرب البيت ثم غيره عبد الله بن الزبير نفسه ثم الحصين بن نمير بأمر يزيد ثم الحجاج بأمر عبد الملك ثم القرامطة، و يمكن أن يكون مراده (صلى الله عليه وآله وسلم) الإخبار عما مضى على البيت و أما الرواية السابقة عليها فلم تثبت.

و فيه، أخرج سفيان بن عيينة و الطبراني و الحاكم و صححه و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال: الحجر من البيت لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طاف بالبيت من ورائه، قال الله: «و ليطوفوا بالبيت العتيق».

أقول: و في معناه روايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

و فيه، أخرج ابن أبي شيبة و الحاكم و صححه عن جبير بن مطعم: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت و صلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار.

و في المجمع،: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان» و روى أصحابنا أن اللعب بالشطرنج و النرد و سائر أنواع القمار من ذلك. «و اجتنبوا قول الزور» و روى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء و سائر الأقوال الملهية.

و فيه، و روى أيمن بن خزيم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه خطبنا فقال: أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله ثم قرأ: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان - و اجتنبوا قول الزور»:. أقول: و روى ما في الذيل في الدر المنثور، عن أحمد و الترمذي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن مردويه عن أيمن:.

و في الكافي، بإسناده عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «لكم فيها منافع إلى أجل مسمى» قال: إن احتاج إلى ظهرها ركبها من غير عنف عليها و إن كان لها لبن حلبها حلابا لا ينهكها.

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: يركب الرجل بدنته بالمعروف.

أقول: و روى أيضا نظيره عن جابر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

و في تفسير القمي،: قوله: «فله أسلموا و بشر المخبتين» قال: العابدين.

و في الكافي، بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله تعالى: «فاذكروا اسم الله عليها صواف» قال: ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى الركبة، و وجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض.

و فيه، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله: «فإذا وجبت جنوبها» قال: إذا وقعت على الأرض «فكلوا منها و أطعموا القانع و المعتر» قال: القانع الذي يرضى بما أعطيته و لا يسخط و لا يكلح و لا يلوي شدقه غضبا، و المعتر المار بك لتطعمه.

و في المعاني، عن سيف التمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي فقال: إني سقت هديا فكيف أصنع؟ فقال: أطعم أهلك ثلثا، و أطعم القانع ثلثا، و أطعم المسكين ثلثا. قلت: المسكين هو السائل؟ قال: نعم، و القانع يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر يعتريك لا يسألك.

أقول: و الروايات في المعاني السابقة عن الأئمة كثيرة و ما نقلناه نبذة منها.

و في جوامع الجامع،: في قوله تعالى: «لن ينال الله لحومها و لا دماؤها» و روي أن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لطخوا البيت بالدم فلما حج المسلمون أرادوا مثل ذلك فنزلت.

أقول: روى ما في معناه في الدر المنثور، عن ابن المنذر و ابن مردويه عن ابن عباس.

و في تفسير القمي،: قوله عز و جل: «لتكبروا الله على ما هداكم» قال: التكبير أيام التشريق في الصلوات بمنى في عقيب خمس عشر صلاة، و في الأمصار عقيب عشرة صلوات.