سُورَةُ المُطَفِّفِينَ

٢٢ - ٣٦

إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ﴿٢٢ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴿٢٣ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴿٢٤ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ﴿٢٥ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴿٢٦ وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ ﴿٢٧ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴿٢٨ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ﴿٢٩ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿٣٠ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ ﴿٣١ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ ﴿٣٢ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ﴿٣٣ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴿٣٤ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ ﴿٣٥ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴿٣٦

بيان

بيان فيه بعض التفصيل لجلالة قدر الأبرار و عظم منزلتهم عند الله تعالى و غزارة عيشهم في الجنة، و أنهم على كونهم يستهزىء بهم الكفار و يتغامزون بهم و يضحكون منهم سيضحكون منهم و ينظرون إلى ما ينالهم من العذاب.

قوله تعالى: «إن الأبرار لفي نعيم» النعيم النعمة الكثيرة و في تنكيره دلالة على فخامة قدره، و المعنى أن الأبرار لفي نعمة كثيرة لا يحيط بها الوصف.

قوله تعالى: «على الأرائك ينظرون» الأرائك جمع أريكة و الأريكة السرير في الجملة و هي البيت المزين للعروس و إطلاق قوله: «ينظرون» من غير تقييد يؤيد أن يكون المراد نظرهم إلى مناظر الجنة البهجة و ما فيها من النعيم المقيم، و قيل: المراد به النظر إلى ما يجزي به الكفار و ليس بذاك.

قوله تعالى: «تعرف في وجوههم نضرة النعيم» النضرة البهجة و الرونق، و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار أن له أن ينظر فيعرف فالحكم عام و المعنى كل من نظر إلى وجوههم يعرف فيها بهجة النعيم الذي هم فيه.

قوله تعالى: «يسقون من رحيق مختوم» الرحيق الشراب الصافي الخالص من الغش، و يناسبه وصفه بأنه مختوم فإنه إنما يختم على الشيء النفيس الخالص ليسلم من الغش و الخلط و إدخال ما يفسده فيه.

قوله تعالى: «ختامه مسك و في ذلك فليتنافس المتنافسون» قيل الختام بمعنى ما يختم به أي إن الذي يختم به مسك بدلا من الطين و نحوه الذي يختم به في الدنيا، و قيل: أي آخر طعمه الذي يجده شاربه رائحة المسك.

و قوله: «و في ذلك فليتنافس المتنافسون» التنافس التغالب على الشيء و يفيد بحسب المقام معنى التسابق قال تعالى: «سابقوا إلى مغفرة من ربكم و جنة»: الحديد: 21، و قال: «فاستبقوا الخيرات»: المائدة: 48، ففيه ترغيب إلى ما وصف من الرحيق المختوم.

و استشكل في الآية بأن فيها دخول العاطف على العاطف إذ التقدير فليتنافس في ذلك إلخ و أجيب بأن الكلام على تقدير حرف الشرط و الفاء واقعة في جوابه و قدم الظرف ليكون عوضا عن الشرط و التقدير و إن أريد تنافس فليتنافس في ذلك المتنافسون.

و يمكن أن يقال: إن قوله: «و في ذلك» معطوف على ظرف آخر محذوف متعلق بقوله: «فليتنافس» يدل عليه المقام فإن الكلام في وصف نعيم الجنة فيفيد قوله: «و في ذلك» ترغيبا مؤكدا بتخصيص الحكم بعد التعميم، و المعنى فليتنافس المتنافسون في نعيم الجنة عامة و في الرحيق المختوم الذي يسقونه خاصة فهو كقولنا: أكرم المؤمنين و الصالحين منهم خاصة، و لا تكن عيابا و للعلماء خاصة.

قوله تعالى: «و مزاجه من تسنيم» المزاج ما يمزج به، و التسنيم على ما تفسره الآية التالية عين في الجنة سماه الله تسنيما و في لفظه معنى الرفع و الملء يقال: سنمه أي رفعه و منه سنام الإبل، و يقال: سنم الإناء أي ملأه.

قوله تعالى: «عينا يشرب بها المقربون» يقال: شربه و شرب به بمعنى و «عينا» منصوب على المدح أو الاختصاص و «يشرب بها المقربون» وصف لها و المجموع تفسير للتسنيم.

و مفاد الآية أن المقربين يشربون التسنيم صرفا كما أن مفاد قوله: «و مزاجه من تسنيم» أنه يمزج بها ما في كأس الأبرار من الرحيق المختوم، و يدل ذلك أولا على أن التسنيم أفضل من الرحيق المختوم الذي يزيد لذة بمزجها، و ثانيا أن المقربين أعلى درجة من الأبرار الذين يصفهم الآيات.

قوله تعالى: «إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون» يعطي السياق أن المراد بالذين آمنوا هم الأبرار الموصوفون في الآيات و إنما عبر عنهم بالذين آمنوا لأن سبب ضحك الكفار منهم و استهزائهم بهم إنما هو إيمانهم كما أن التعبير عن الكفار بالذين أجرموا للدلالة على أنهم بذلك من المجرمين.

قوله تعالى: «و إذا مروا بهم يتغامزون» عطف على قوله: «يضحكون» أي كانوا إذا مروا بالذين آمنوا يغمز بعضهم بعضا و يشيرون بأعينهم استهزاء بهم.

قوله تعالى: «و إذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين» الفكه بالفتح فالكسر المرح البطر، و المعنى و كانوا إذا انقلبوا و صاروا إلى أهلهم عن ضحكهم و تغامزهم انقلبوا ملتذين فرحين بما فعلوا أو هو من الفكاهة بمعنى حديث ذوي الإنس و المعنى انقلبوا و هم يحدثون بما فعلوا تفكها.

قوله تعالى: «و إذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون» على سبيل الشهادة عليهم بالضلال أو القضاء عليهم و الثاني أقرب.

قوله تعالى: «و ما أرسلوا عليهم حافظين» أي و ما أرسل هؤلاء الذين أجرموا حافظين على المؤمنين يقضون في حقهم بما شاءوا أو يشهدون عليهم بما هووا، و هذا تهكم بالمستهزئين.

قوله تعالى: «فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون» المراد باليوم يوم الجزاء، و التعبير عن الذين أجرموا بالكفار رجوع إلى حقيقة صفتهم.

قيل: تقديم الجار و المجرور على الفعل أعني «من الكفار» على «يضحكون «لإفادة قصر القلب، و المعنى فاليوم الذين آمنوا يضحكون من الكفار لا الكفار منهم كما كانوا يفعلون في الدنيا.

قوله تعالى: «على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون» الثواب في الأصل مطلق الجزاء و إن غلب استعماله في الخير، و قوله «على الأرائك» خبر بعد خبر للذين آمنوا و «ينظرون» خبر آخر، و قوله: «هل ثوب» إلخ متعلق بقوله: «ينظرون «قائم مقام المفعول.

و المعنى: الذين آمنوا على سرر في الحجال ينظرون إلى جزاء الكفار بأفعالهم التي كانوا يفعلونها في الدنيا من أنواع الأجرام و منها ضحكهم من المؤمنين و تغامزهم إذا مروا بهم و انقلابهم إلى أهلهم فكهين و قولهم: إن هؤلاء لضالون.

بحث روائي

في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و في ذلك فليتنافس المتنافسون» قال: فيما ذكرناه من الثواب الذي يطلبه المؤمن.

و في المجمع،: في قوله تعالى: «و إذا مروا بهم يتغامزون» قيل نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ذلك أنه كان في نفر من المسلمين جاءوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا: رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فنزلت الآية قبل أن يصل علي و أصحابه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): عن مقاتل و الكلبي.

أقول: و قد أورده في الكشاف،. و فيه ذكر الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل بإسناده عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «إن الذين أجرموا» منافقو قريش و «الذين آمنوا» علي بن أبي طالب و أصحابه.

و في تفسير القمي،: «أن الذين أجرموا إلى قوله فكهين» قال: يسخرون.