سُورَةُ الطُّورِ

٤٥ - ٤٩

فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴿٤٥ يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴿٤٦ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ﴿٤٧ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴿٤٨ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴿٤٩

بيان

الآيات تختم السورة و تأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يترك أولئك المكذبين و شأنهم و لا يتعرض لحالهم، و أن يصبر لحكم ربه و يسبح بحمده، و في خلالها مع ذلك تكرار إيعادهم بما أوعدهم به في أول السورة من عذاب واقع ليس له من دافع، و تضيف إليه الإيعاد بعذاب آخر دون ذلك للذين ظلموا.

قوله تعالى: «فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون» ذرهم أمر بمعنى اتركهم و هو فعل لم يستعمل من تصريفاته إلا المستقبل و الأمر، و «يصعقون» من الإصعاق بمعنى الإماتة و قيل: من الصعق بمعنى الإماتة.

لما أنذر سبحانه المكذبين لدعوته بعذاب واقع لا ريب فيه ثم رد جميع ما تعلل به أو يفرض أن يتعلل به أولئك المكذبون، و ذكر أنهم في الإصرار على الباطل بحيث لو عاينوا أوضح آية للحق أولوه و ردوه، أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركهم و شأنهم، و هو تهديد كنائي بشمول العذاب لهم و حالهم هذه الحال.

و المراد باليوم الذي فيه يصعقون يوم نفخ الصور الذي يصعق فيه من في السماوات و الأرض و هو من أشراط الساعة قال تعالى: «و نفخ في الصور فصعق من في السماوات و من في الأرض»: الزمر: 68.

و يؤيد هذا المعنى قوله في الآية التالية: «يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا و لا هم ينصرون» فإن انتفاء إغناء الكيد و النصر من خواص يوم القيامة الذي يسقط فيه عامة الأسباب و الأمر يومئذ لله.

و استشكل بأنه لا يصعق يوم النفخ إلا من كان حيا و هؤلاء ليسوا بأحياء يومئذ و الجواب أنه يصعق فيه جميع من في الدنيا من الأحياء و من في البرزخ من الأموات و هؤلاء إن لم يكونوا في الدنيا ففي البرزخ.

على أنه يمكن أن يكون ضمير «يصعقون» راجعا إلى الأحياء يومئذ، و التهديد إنما هو بالعذاب الواقع في هذا اليوم لا بالصعقة التي فيه.

و قيل: المراد به يوم بدر و هو بعيد، و قيل: المراد به يوم الموت، و فيه أنه لا يلائم السياق الظاهر في التهديد بما وقع في أول السورة و هو عذاب يوم القيامة لا عذاب يوم الموت.

قوله تعالى: «و إن للذين ظلموا عذابا دون ذلك و لكن أكثرهم لا يعلمون» لا يبعد أن يكون المراد به عذاب القبر، و قوله: «و لكن أكثرهم لا يعلمون» مشعر بأن فيهم من يعلم ذلك لكنه يصر على كفره و تكذيبه عنادا و قيل: المراد به يوم بدر لكن ذيل الآية لا يلائمه تلك الملاءمة.

قوله تعالى: «فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا» عطف على قوله: «فذرهم» و ظاهر السياق أن المراد بالحكم حكمه تعالى في المكذبين بالإمهال و الإملاء و الطبع على قلوبهم، و في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو إلى الحق بما فيه من الأذى في جنب الله فالمراد بقوله: «فإنك بأعيننا» إنك بمرأى منا نراك بحيث لا يخفى علينا شيء من حالك و لا نغفل عنك ففي تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر و تشديد للخطاب.

و قيل: المراد بقوله: «فإنك بأعيننا» إنك في حفظنا و حراستنا فالعين مجاز عن الحفظ، و لعل المعنى المتقدم أنسب للسياق.

قوله تعالى: «و سبح بحمد ربك حين تقوم و من الليل فسبحه و إدبار النجوم» الباء في «بحمد» للمصاحبة أي سبح ربك و نزهه حال كونه مقارنا لحمده.

و المراد بقوله: «حين تقوم» قيل هو القيام من النوم، و قيل: هو القيام من القائلة، فهو صلاة الظهر، و قيل: هو القيام من المجلس، و قيل: هو كل قيام، و قيل: هو القيام إلى الفريضة و قيل: هو القيام إلى كل صلاة، و قيل: هو الركعتان قبل فريضة الصبح سبعة أقوال كما ذكره الطبرسي.

و قوله: «و من الليل فسبحه» أي من الليل فسبح ربك فيه، و المراد به صلاة الليل، و قيل: المراد صلاتا المغرب و العشاء الآخرة.

و قوله: «و إدبار النجوم» قيل: المراد به وقت إدبار النجوم و هو اختفاؤها بضوء الصبح، و هو الركعتان قبل فريضة الصبح، و قيل: المراد فريضة الصبح، و قيل: المراد تسبيحه تعالى صباحا و مساء من غير غفلة عن ذكره.

بحث روائي

في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و سبح بحمد ربك حين تقوم» قال: لصلاة الليل «فسبحه» قال: صلاة الليل:. أقول: و روي هذا المعنى في مجمع البيان، عن زرارة و حمران و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).

و فيه، بإسناده عن الرضا (عليه السلام) قال: أدبار السجود أربع ركعات بعد المغرب و إدبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح:. أقول: و روي ذيله في المجمع، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام)، و القمي، بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام).

و قد ورد من طرق أهل السنة في عدة من الروايات: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام من مجلسه سبح الله و حمده و يقول: إنه كفارة المجلس لكنها غير ظاهرة في كونها تفسيرا للآية.