سُورَةُ عَبَسَ

١٧ - ٤٢

قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ﴿١٧ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴿١٨ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴿١٩ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴿٢٠ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴿٢١ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ﴿٢٢ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ ﴿٢٣ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴿٢٤ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ﴿٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا ﴿٢٦ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴿٢٧ وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴿٢٨ وَزَيْتُونًا وَنَخْلا ﴿٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْبًا ﴿٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴿٣١ مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴿٣٢ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ ﴿٣٣ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴿٣٤ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ﴿٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ﴿٣٦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴿٣٧ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ﴿٣٨ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ ﴿٣٩ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ﴿٤٠ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ﴿٤١ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ﴿٤٢

بيان

دعاء على الإنسان و تعجيب من مبالغته في الكفر بربوبية ربه و إشارة إلى أمره حدوثا و بقاء فإنه لا يملك لنفسه شيئا من خلق و تدبير بل الله سبحانه هو الذي خلقه من نطفة مهينة فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره فهو سبحانه ربه الخالق له المدبر لأمره مطلقا و هو في مدى وجوده لا يقضي ما أمره به ربه و لا يهتدي بهداه.

و لو نظر الإنسان إلى طعامه فقط و هو مظهر واحد من مظاهر تدبيره و غرفة من بحار رحمته رأى من وسيع التدبير و لطيف الصنع ما يبهر عقله و يدهش لبه و وراء ذلك نعم لا تعد - و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها -.

فستره تدبير ربه و تركه شكر نعمته عجيب و إن الإنسان لظلوم كفار و سيرون تبعة شكرهم و كفرهم من السرور و الاستبشار أو الكآبة و سواد الوجه.

و الآيات - كما ترى - لا تأبى الاتصال بما قبلها سياقا واحدا و إن قال بعضهم إنها نزلت لسبب آخر كما سيجيء.

قوله تعالى: «قتل الإنسان ما أكفره» دعاء على الإنسان لما أن في طبعه التوغل في اتباع الهوى و نسيان ربوبية ربه و الاستكبار عن اتباع أوامره.

و قوله «ما أكفره» تعجيب من مبالغة في الكفر و ستر الحق الصريح و هو يرى أنه مدبر بتدبير الله لا يملك شيئا من تدبير أمره غيره تعالى.

فالمراد بالكفر مطلق ستر الحق و ينطبق على إنكار الربوبية و ترك العبادة و يؤيده ما في ذيل الآية من الإشارة إلى جهات من التدبير الربوبي المتناسبة مع الكفر بمعنى ستر الحق و ترك العبادة، و قد فسر بعضهم الكفر بترك الشكر و كفران النعمة و هو و إن كان معنى صحيحا في نفسه لكن الأنسب بالنظر إلى السياق هو المعنى المتقدم.

قال في الكشاف: «قتل الإنسان» دعاء عليه و هي من أشنع دعواتهم لأن القتل قصارى شدائد الدنيا و فظائعها و «ما أكفره» تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله و لا ترى أسلوبا أغلظ منه، و لا أخشن مسا، و لا أدل على سخط، و لا أبعد شوطا في المذمة مع تقارب طرفيه، و لا أجمع للأئمة على قصر متنه، انتهى.

و قيل جملة «ما أكفره» استفهامية و المعنى ما هو الذي جعله كافرا، و الوجه المتقدم أبلغ.

قوله تعالى: «من أي شيء خلقه» معناه على ما يعطيه المقام من أي شيء خلق الله الإنسان حتى يحق له أن يطغى و يستكبر عن الإيمان و الطاعة، و حذف فاعل قوله: «خلقه» و ما بعده من الأفعال للإشعار بظهوره فمن المعلوم بالفطرة - و قد اعترف به المشركون - أن لا خالق إلا الله تعالى.

و الاستفهام بداعي تأكيد ما في قوله: «ما أكفره» من العجب - و العجب إنما هو في الحوادث التي لا يظهر لها سبب - فأفيد أولا: أن من العجب إفراط الإنسان في كفره ثم سئل ثانيا: هل في خلقته إذ خلقه الله ما يوجب له الإفراط في الكفر فأجيب بنفيه و أن لا حجة له يحتج بها و لا عذر يعتذر به فإنه مخلوق من ماء مهين لا يملك شيئا من خلقته و لا من تدبير أمره في حياته و مماته و نشره، و بالجملة الاستفهام توطئة للجواب الذي في قوله: «من نطفة خلقه» إلخ.

قوله تعالى: «من نطفة خلقه فقدره» تنكير «نطفة» للتحقير أي من نطفة مهينة حقيرة خلقة فلا يحق له و أصله هذا الأصل أن يطغى بكفره و يستكبر عن الطاعة.

و قوله «فقدره» أي أعطاه القدر في ذاته و صفاته و أفعاله فليس له أن يتعدى الطور الذي قدر له و يتجاوز الحد الذي عين له فقد أحاط به التدبير الربوبي من كل جانب ليس له أن يستقل بنيل ما لم يقدر له.

قوله تعالى: «ثم السبيل يسره» ظاهر السياق المقصود به نفي العذر من الإنسان في كفره و استكباره أن المراد بالسبيل - و قد أطلق - السبيل إلى طاعة الله و امتثال أوامره و إن شئت فقل: السبيل إلى الخير و السعادة.

فتكون الآية في معنى دفع الدخل فإنه إذا قيل: «من نطفة خلقه فقدره» أمكن أن يتوهم السامع أن الخلق و التقدير إذا كانا محيطين بالإنسان من كل جهة كانت أفعال الإنسان لذاته و صفاته مقدرة مكتوبة و متعلقة لمشية الربوبية التي لا تتخلف فتكون أفعال الإنسان ضرورية الثبوت واجبة التحقق و الإنسان مجبرا عليها فاقدا للاختيار فلا صنع للإنسان في كفره إذا كفر و لا في فسقه إذا فسق و لم يقض ما أمره الله به و إنما ذلك بتقديره تعالى و إرادته فلا ذم و لا لائمة على الإنسان و لا دعوة دينية تتعلق به لأن ذلك كله فرع للاختيار و لا اختيار.

فدفع الشبهة بقوله: «ثم السبيل يسره» و محصله أن الخلق و التقدير لا ينافيان كون الإنسان مختارا فيما أمر به من الإيمان و الطاعة له طريق إلى السعادة التي خلق لها فكل ميسر لما خلق له و ذلك أن التقدير واقع على الأفعال الإنسانية من طريق اختياره، و الإرادة الربوبية متعلقة بأن يفعل الإنسان بإرادته و اختياره كذا و كذا فالفعل صادر عن الإنسان باختياره و هو بما أنه اختياري متعلق للتقدير.

فالإنسان مختار في فعله مسئول عنه و إن كان متعلقا للقدر، و قد تقدم البحث عن هذا المعنى كرارا في ذيل الآيات المناسبة له في هذا الكتاب.

و قيل: المراد بتيسير السبيل تسهيل خروج الإنسان من بطن أمه و المعنى ثم سهل للإنسان سبيل الخروج و هو جنين مخلوق من نطفة.

و قيل: المراد الهداية إلى الدين و تبين طريق الخير و الشر كما قال: «و هديناه النجدين»: البلد: 10 و الوجه المتقدم أوجه.

قوله تعالى: «ثم أماته فأقبره» الإماتة إيقاع الموت على الإنسان، و المراد بالإقبار دفنه في القبر و إخفاؤه في بطن الأرض و هذا بالبناء على الغالب الذي جرى عليه ديدن الناس و بهذه المناسبة نسب إليه تعالى لأنه تعالى هو الذي هداهم إلى ذلك و ألهمهم إياه فللفعل نسبة إليه كما له نسبة إلى الناس.

و قيل: المراد بالإقبار جعله ذا قبر و معنى جعله ذا قبر أمره تعالى بدفنه تكرمة له لتتوارى جيفته فلا يتأذى بها الناس و لا يتنفروا.

و الوجه المتقدم أنسب لسياق الآيات المسرود لتذكير تدبيره تعالى التكويني للإنسان دون التدبير التشريعي الذي عليه بناء هذا الوجه.

قوله تعالى: «ثم إذا شاء أنشره» في المجمع،: الإنشار الإحياء للتصرف بعد الموت كنشر الثوب بعد الطي.

انتهى، فالمراد به البعث إذا شاء الله، و فيه إشارة إلى كونه بغتة لا يعلمه غيره تعالى.

قوله تعالى: «كلا لما يقض ما أمره» الذي يعطيه السياق أن «كلا» ردع عن معنى سؤال يستدعيه السياق و يلوح إليه قوله: «لما يقض ما أمره» كأنه لما أشير إلى أن الإنسان مخلوق مدبر له تعالى من أول وجوده إلى آخره من خلق و تقدير و تيسير للسبيل و إماتة و إقبار و إنشار و كل ذلك نعمة منه تعالى سئل فقيل: فما ذا صنع الإنسان و الحال هذه الحال و هل خضع للربوبية أو هل شكر النعمة فأجيب و قيل: كلا، ثم أوضح فقيل: لما يقض ما أمره الله به بل كفر و عصى.

فقد ظهر مما تقدم أن ضمير «يقض» للإنسان و المراد بقضائه إتيانه بما أمر الله به، و قيل: الضمير لله تعالى و المعنى لما يقض الله لهذا الكافر أن يأتي بما أمره به من الإيمان و الطاعة بل إنما أمره بما أمر إتماما للحجة، و هو بعيد.

و ظهر أيضا أن ما في الآيات من الذم و اللائمة إنما هو للإنسان بما في طبعه من الإفراط في الكفر كما في قوله: «إن الإنسان لظلوم كفار»: إبراهيم: 34 فينطبق على من تلبس بالكفر و أفرط فيه بالعناد و منه يظهر عدم استقامة ما نقل عن بعضهم أن الآية على العموم في الكافر و المسلم لم يعبده أحد حق عبادته.

و ذلك أن الضمير للإنسان المذكور في صدر الآيات بما في طبعه من داعية الإفراط في الكفر و ينطبق على من تلبس به بالفعل.

قوله تعالى: «فلينظر الإنسان إلى طعامه» متفرع على ما تقدم تفرع التفصيل على الإجمال ففيه توجيه نظر الإنسان إلى طعامه الذي يقتات به و يستمد منه لبقائه و هو واحد مما لا يحصى مما هيأه التدبير الربوبي لرفع حوائجه في الحياة حتى يتأمله فيشاهد سعة التدبير الربوبي التي تدهش لبه و تحير عقله، و تعلق العناية الإلهية - على دقتها و إحاطتها - بصلاح حاله و استقامة أمره.

و المراد بالإنسان - كما قيل - غير الإنسان المتقدم المذكور في قوله: «قتل الإنسان ما أكفره» فإن المراد به خصوص الإنسان المبالغ في الكفر بخلاف الإنسان المذكور في هذه الآية المأمور بالنظر فإنه عام شامل لكل إنسان، و لذلك أظهر و لم يضمر.

قوله تعالى: «إنا صببنا الماء صبا - إلى قوله - و لأنعامكم» القراءة الدائرة «أنا» بفتح الهمزة و هو بيان تفصيلي لتدبيره تعالى طعام الإنسان نعم هو مرحلة ابتدائية من التفصيل و أما القول المستوفى لبيان خصوصيات النظام الذي هيأ له هذه الأمور و النظام الوسيع الجاري في كل من هذه الأمور و الروابط الكونية التي بين كل واحد منها و بين الإنسان فمما لا يسعه نطاق البيان عادة.

و بالجملة قوله: «إنا صببنا الماء صبا» الصب إراقة الماء من العلو، و المراد بصب الماء إنزال الأمطار على الأرض لإنبات النبات، و لا يبعد أن يشمل إجراء العيون و الأنهار فإن ما في بطن الأرض من ذخائر الماء إنما يتكون من الأمطار.

و قوله: «ثم شققنا الأرض شقا» ظاهره شق الأرض بالنبات الخارج منها و لذا عطف على صب الماء بثم و عطف عليه إنبات الحب بالفاء.

و قوله: «فأنبتنا فيها حبا» ضمير «فيها» للأرض، و المراد بالحب جنس الحب الذي يقتات به الإنسان كالحنطة و الشعير و نحوهما و كذا في العنب و القضب و غيرهما.

و قوله: «و عنبا و قضبا» العنب معروف، و يطلق على شجر الكرم و لعله المراد في الآية و نظيره الزيتون.

و القضب هو الغض الرطب من البقول الذي يأكله الإنسان يقضب أي يقطع مرة بعد أخرى، و قيل: هو ما يقطع من النبات فتعلف به الدواب.

و قوله: «و زيتونا و نخلا» معروفان.

و قوله: «و حدائق غلبا» الحدائق جمع حديقة و هي على ما فسر البستان المحوط و الغلب جمع غلباء يقال: شجرة غلباء أي عظيمة غليظة فالحدائق الغلب البساتين المشتملة على أشجار عظام غلاظ.

و قوله: «و فاكهة و أبا» قيل: الفاكهة مطلق الثمار، و قيل: ما عدا العنب و الرمان.

قيل: إن ذكر ما يدخل في الفاكهة أولا كالزيتون و النخل للاعتناء بشأنه و الأب الكلاء و المرعى.

و قوله: «متاعا لكم و لأنعامكم» مفعول له أي أنبتنا ما أنبتنا مما تطعمونه ليكون تمتيعا لكم و للأنعام التي خصصتموها بأنفسكم.

و الالتفات عن الغيبة إلى الخطاب في الآية لتأكيد الامتنان بالتدبير أو بإنعام النعمة.

قوله تعالى: «فإذا جاءت الصاخة» إشارة إلى ما ينتهي إليه ما ذكر من التدبير العام الربوبي للإنسان بما أن فيه أمرا ربوبيا إلهيا بالعبودية يقضيه الإنسان أولا يقضيه و هو يوم القيامة الذي يوفى فيه الإنسان جزاء أعماله.

و الصاخة: الصيحة الشديدة التي تصم الأسماع من شدتها، و المراد بها نفخة الصور.

قوله تعالى: «يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه» إشارة إلى شدة اليوم فالذين عدوا من أقرباء الإنسان و أخصائه هم الذين كان يأوي إليهم و يأنس بهم و يتخذهم أعضادا و أنصارا يلوذ بهم في الدنيا لكنه يفر منهم يوم القيامة لما أن الشدة أحاطت به بحيث لا تدعه يشتغل بغيره و يعتني بما سواه كائنا من كان فالبلبلة إذا عظمت و اشتدت و أطلت على الإنسان جذبته إلى نفسها و صرفته عن كل شيء.

و الدليل على هذا المعنى قوله بعد: «لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه» أي يكفيه من أن يشتغل بغيره.

و قيل: في سبب فرار الإنسان من أقربائه و أخصائه يومئذ وجوه أخر لا دليل عليها أغمضنا عن إيرادها.

قوله تعالى: «وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة» بيان لانقسام الناس يومئذ إلى قسمين: أهل السعادة و أهل الشقاء، و إشارة إلى أنهم يعرفون بسيماهم في وجوههم و إسفار الوجه إشراقه و إضاءته فرحا و سرورا و استبشاره تهلله بمشاهدة ما فيه البشرى.

قوله تعالى: «و وجوه يومئذ عليها غبرة» هي الغبار و الكدورة و هي سيماء الهم و الغم.

قوله تعالى: «ترهقها قترة» أي يعلوها و يغشاها سواد و ظلمة، و قد بين حال الطائفتين في الآيات الأربع ببيان حال وجوههما لأن الوجه مرآة القلب في سروره و مساءته.

قوله تعالى: «أولئك هم الكفرة الفجرة» أي الجامعون بين الكفر اعتقادا و الفجور و هو المعصية الشنيعة عملا أو الكافرون بنعمة الله الفاجرون، و هذا تعريف للطائفة الثانية و هم أهل الشقاء و لم يأت بمثله في الطائفة الأولى و هم أهل السعادة لأن الكلام مسوق للإنذار و الاعتناء بشأن أهل الشقاء.

بحث روائي

في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: «قتل الإنسان ما أكفره» قال: نزلت في عتبة بن أبي لهب حين قال: كفرت برب النجم إذا هوى فدعا عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذه الأسد بطريق الشام.

و في الاحتجاج، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث طويل: «قتل الإنسان ما أكفره» أي لعن الإنسان.

و في تفسير القمي،: «ثم السبيل يسره» قال: يسر له طريق الخير.

أقول: المراد به جعله مختارا في فعله يسهل به سلوكه سبيل السعادة و وصوله إلى الكمال الذي خلق له.

فالخبر منطبق على ما قدمناه من الوجه في تفسير الآية.

و فيه،: في قوله: «و قضبا» قال: القضب القت.

و فيه،: في قوله: «و فاكهة و أبا» قال: الأب الحشيش للبهائم.

و في الدر المنثور، أخرج أبو عبيد في فضائله عن إبراهيم التيمي قال: سئل أبو بكر الصديق عن قوله «و أبا» فقال: أي سماء تظلني و أي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.

و فيه، أخرج سعيد بن منصور و ابن جرير و ابن سعد و عبد بن حميد و ابن المنذر و ابن مردويه و البيهقي في شعب الإيمان و الخطيب و الحاكم و صححه عن أنس أن عمر قرأ على المنبر «فأنبتنا فيها حبا و عنبا و قضبا إلى قوله و أبا» قال: كل هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الأب؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به و ما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه.

و فيه، أخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن يزيد أن رجلا سأل عمر عن قوله «و أبا» فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة.

أقول: هو مبني على منعهم عن البحث عن معارف الكتاب حتى تفسير ألفاظه.

و في إرشاد المفيد، و روي: أن أبا بكر سئل عن قول الله تعالى: «و فاكهة و أبا» فلم يعرف معنى الأب من القرآن فقال: أي سماء تظلني أم أي أرض تقلني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم؟ أما الفاكهة فنعرفها و أما الأب فالله أعلم. فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) مقاله في ذلك فقال: سبحان الله أ ما علم أن الأب هو الكلاء و المرعى؟ و أن قوله تعالى: «و فاكهة و أبا» اعتداد من الله بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به و خلقه لهم و لأنعامهم مما تحيى به أنفسهم و تقوم به أجسادهم.

و في المجمع، و روي عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يبعث الناس حفاة عراة غرلا يلجمهم العرق و يبلغ شحمة الإذن قالت: قلت: يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض إذا جاء؟ قال: شغل الناس عن ذلك و تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه».

و في تفسير القمي،: قوله: «لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه» قال: شغل يشغله عن غيره.