سُورَةُ التَّكۡوِيرِ

١ - ١٤

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴿١ وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ﴿٢ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴿٣ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴿٤ وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ﴿٥ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴿٦ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴿٧ وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ﴿٨ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ﴿٩ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴿١٠ وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ﴿١١ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴿١٢ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴿١٣ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ﴿١٤

بيان

تذكر السورة يوم القيامة بذكر بعض أشراطها و ما يقع فيها و تصفه بأنه يوم ينكشف فيه للإنسان ما عمله من عمل ثم تصف القرآن بأنه مما ألقاه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رسول سماوي و هو ملك الوحي و ليس بإلقاء شيطاني و لا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مجنون يمسه الشيطان.

و يشبه أن تكون السورة من السور العتائق النازلة في أوائل البعثة كما يشهد به ما فيها من تنزيهه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما رموه به من الجنون و قد اتهموه به في أوائل الدعوة و قد اشتملت على تنزيهه منه سورة «ن» و هي من العتائق.

و السورة مكية بلا كلام.

قوله تعالى: «إذا الشمس كورت» التكوير اللف على طريق الإدارة كلف العمامة على الرأس، و لعل المراد بتكوير الشمس انظلام جرمها على نحو الإحاطة استعارة.

قوله تعالى: «و إذا النجوم انكدرت» انكدار الطائر من الهواء انقضاضه نحو الأرض، و عليه فالمراد سقوط النجوم كما يفيده قوله: «و إذا الكواكب انتثرت»: الانفطار: 2 و يمكن أن يكون من الانكدار بمعنى التغير و قبول الكدورة فيكون المراد به ذهاب ضوئها.

قوله تعالى: «و إذا الجبال سيرت» بما يصيبها من زلزلة الساعة من التسيير فتندك و تكون هباء منبثا و تصير سرابا على ما ذكره سبحانه في مواضع من كلامه.

قوله تعالى: «و إذا العشار عطلت» قيل: «العشار جمع عشراء كالنفاس جمع نفساء و هي الناقة الحامل التي أتت عليها عشرة أشهر فتسمى عشراء حتى تضع حملها و ربما سميت عشراء بعد الوضع أيضا و هي من أنفس المال عند العرب.

و تعطيل العشار تركها مهملة لا راعي لها و لا حافظ يحفظها و كان في الجملة إشارة على نحو الكناية إلى أن نفائس الأموال التي يتنافس فيها الإنسان تبقى اليوم و لا صاحب لها يتملكها و يتصرف فيها لأنهم مشغولون بأنفسهم عن كل شيء كما قال: «لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه»: عبس: 37.

قوله تعالى: «و إذا الوحوش حشرت» الوحوش جمع وحش و هو من الحيوان ما لا يتأنس بالإنسان كالسباع و غيرها.

و ظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أن الوحوش محشورة كالإنسان، و يؤيده قوله تعالى: «و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون»: الأنعام: 38.

و أما تفصيل حالها بعد الحشر و ما يئول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى و لا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام: «أمم أمثالكم» و قوله: «ما فرطنا في الكتاب من شيء» بعض ما يتضح به الحال في الجملة لا يخفى على الناقد المتدبر، و ربما قيل: إن حشر الوحوش من أشراط الساعة لا مما يقع يوم القيامة و المراد به خروجها من غاباتها و أكنانها.

قوله تعالى: «و إذا البحار سجرت» فسر التسجير بإضرام النار و فسر بالملإ و المعنى على الأول و إذا البحار أضرمت نارا، و على الثاني و إذا البحار ملئت.

قوله تعالى: «و إذا النفوس زوجت» أما نفوس السعداء فبنساء الجنة قال تعالى: «لهم فيها أزواج مطهرة»: النساء: 57، و قال: «و زوجناهم بحور عين»: الدخان: 54 و أما نفوس الأشقياء فبقرناء الشياطين قال تعالى: «احشروا الذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون»: الصافات: 22 و قال: «و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين»: الزخرف: 36.

قوله تعالى: «و إذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت» الموءودة البنت التي تدفن حية و كانت العرب تئد البنات خوفا من لحوق العار بهم من أجلهن كما يشير إليه قوله تعالى: «و إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا و هو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أ يمسكه على هون أم يدسه في التراب»: النحل: 59.

و المسئول بالحقيقة عن قتل الموءودة أبوها الوائد لها لينتصف منه و ينتقم لكن عد المسئول في الآية هي الموءودة نفسها فسئلت عن سبب قتلها لنوع من التعريض و التوبيخ لقاتلها و توطئة لأن تسأل الله الانتصاف لها من قاتلها حتى يسأل عن قتلها فيؤخذ لها منه، فالكلام نظير قوله تعالى في عيسى (عليه السلام): «و إذ قال الله يا عيسى بن مريم أ أنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله»: المائدة: 116.

و قيل: إسناد المسئولية إلى الموءودة من المجاز العقلي و المراد كونها مسئولا عنها نظير قوله تعالى: «إن العهد كان مسئولا»: إسراء: 34.

قوله تعالى: «و إذا الصحف نشرت» أي للحساب، و الصحف كتب الأعمال.

قوله تعالى: «و إذا السماء كشطت» في المجمع، الكشط القلع عن شدة التزاق فينطبق على طيها كما في قوله: «و السماوات مطويات بيمينه»: الزمر: 67، و قوله: «و يوم تشقق السماء بالغمام و نزل الملائكة تنزيلا»: الفرقان: 25 و غير ذلك من الآيات المفصحة عن هذا المعنى.

قوله تعالى: «و إذا الجحيم سعرت» التسعير تهييج النار حتى تتأجج.

قوله تعالى: «و إذا الجنة أزلفت» الإزلاف التقريب و المراد تقريبها من أهلها للدخول.

قوله تعالى: «علمت نفس ما أحضرت» جواب إذا، و المراد بالنفس الجنس و المراد بما أحضرت عملها الذي عملته يقال: أحضرت الشيء أي وجدته حاضرا كما يقال: أحمدته أي وجدته محمودا.

فالآية في معنى قوله تعالى: «يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء»: آل عمران: 30.

بحث روائي

في تفسير القمي،: «إذا الشمس كورت» قال: تصير سوداء مظلمة «و إذا النجوم انكدرت» قال: يذهب ضوؤها «و إذا الجبال سيرت» قال: تسير كما قال «تحسبها جامدة و هي تمر مر السحاب». قوله: «و إذا العشار عطلت» قال الإبل تتعطل إذا مات الخلق فلا يكون من يحلبها، قوله: «و إذا البحار سجرت» قال: تتحول البحار التي حول الدنيا كلها نيرانا «و إذا النفوس زوجت» قال: من الحور العين.

و فيه، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: «و إذا النفوس زوجت» قال: أما أهل الجنة فزوجوا الخيرات الحسان، و أما أهل النار فمع كل إنسان منهم شيطان يعني قرنت نفوس الكافرين و المنافقين بالشياطين فهم قرناؤهم.

أقول: الظاهر أن قوله: يعني «إلخ» من كلام الراوي.

و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و الديلمي عن أبي مريم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال في قوله: «إذا الشمس كورت» قال: كورت في جهنم «و إذا النجوم انكدرت» قال: انكدرت في جهنم، و كل من عبد من دون الله فهو في جهنم إلا ما كان من عيسى بن مريم و أمه و لو رضيا أن يعبدا لدخلاها.

و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و إذا الصحف نشرت» قال: صحف الأعمال قوله: «و إذا السماء كشطت» قال: أبطلت.

و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «و إذا النفوس زوجت» قال: هما الرجلان يعملان العمل يدخلان الجنة و النار.