سُورَةُ المُنَافِقُونَ

٩ - ١١

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴿٩ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١١

بيان

تنبيه للمؤمنين أن يتجنبوا عن بعض الصفات التي تورث النفاق و هو التلهي بالمال و الأولاد و البخل.

قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله» إلخ، الإلهاء الإشغال، و المراد بالهاء الأموال و الأولاد عن ذكر الله إشغالها القلب بالتعلق بها بحيث يوجب الإعراض عن التوجه إلى الله بما أنها زينة الحياة الدنيا، قال تعالى: «المال و البنون زينة الحياة الدنيا»: الكهف: 46، و الاشتغال بها يوجب خلو القلب عن ذكر الله و نسيانه تعالى فلا يبقى له إلا القول من غير عمل و تصديق قلبي و نسيان العبد لربه يستعقب نسيانه تعالى له، قال تعالى: «نسوا الله فنسيهم»: التوبة: 67، و هو الخسران المبين، قال تعالى في صفة المنافقين: «أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم»: البقرة: 16.

و إليه الإشارة بما في ذيل الآية من قوله: «و من يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون».

و الأصل هو نهي المؤمنين عن التلهي بالأموال و الأولاد و تبديله من نهي الأموال و الأولاد عن إلهائهم للتلويح إلى أن من طبعها الإلهاء فلا ينبغي لهم أن يتعلقوا بها فتلهيهم عن ذكر الله سبحانه فهو نهي كنائي آكد من التصريح.

قوله تعالى: «و أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت» إلخ، أمر بالإنفاق في البر أعم من الإنفاق الواجب كالزكاة و الكفارات أو المندوب، و تقييده بقوله: «مما رزقناكم» للإشعار بأن أمره هذا ليس سؤالا لما يملكونه دونه، و إنما هو شيء هو معطيه لهم و رزق هو رازقه و ملك هو ملكهم إياه من غير أن يخرج عن ملكه يأمرهم بإنفاق شيء منه فيما يريد فله المنة عليهم في كل حال.

و قوله: «من قبل أن يأتي أحدكم الموت» أي فينقطع أمد استطاعته من التصرف في ماله بالإنفاق في سبيل الله.

و قوله: «فيقول رب لو لا أخرتني إلى أجل قريب» عطف على قوله: «أن يأتي» إلخ، و تقييد الأجل بالقريب للإشعار بأنه قانع بقليل من التمديد - و هو مقدار ما يسع الإنفاق من العمر - ليسهل إجابته، و لأن الأجل أيا ما كان فهو قريب، و من كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم): كل ما هو آت قريب.

و قوله: «فأصدق و أكن من الصالحين» نصب «فأصدق» لكونه في جواب التمني، و جزم «أكن» لكونه في معنى جزاء الشرط، و التقدير إن أتصدق أكن من الصالحين.

قوله تعالى: «و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» إياس لهم من استجابة دعاء من يسأل تأخير الأجل بعد حلوله و الموت بعد نزوله و ظهور آيات الآخرة، و قد تكرر في كلامه تعالى أن الأجل المسمى من مصاديق القضاء المحتوم كقوله: «و إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون»: يونس: 49.

و قوله: «و الله خبير بما تعملون» حال من ضمير «أحدكم» أو عطف على أول الكلام و يفيد فائدة التعليل، و المعنى: لا تتلهوا و أنفقوا فإن الله عليم بأعمالكم يجازيكم بها.

بحث روائي

في الفقيه،: و سئل عن قول الله تعالى: «فأصدق و أكن من الصالحين» قال: «أصدق» من الصدقة، و «أكن من الصالحين» أحج.

أقول: الظاهر أن ذيل الحديث من قبيل الإشارة إلى بعض المصاديق.

و في المجمع، عن ابن عباس قال: ما من أحد يموت و كان له مال فلم يؤد زكاته و أطاق الحج فلم يحج إلا سأل الرجعة عند الموت. قالوا: يا ابن عباس اتق الله فإنما نرى هذا الكافر يسأل الرجعة فقال: أنا أقرأ به عليكم قرآنا ثم قرأ هذه الآية يعني قوله: «يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم إلى قوله من الصالحين» قال: الصلاح هنا الحج:، و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام). أقول: و رواه في الدر المنثور، عن عدة من أرباب الجوامع عن ابن عباس.

و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله: «و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» قال: إن عند الله كتبا موقوفة يقدم منها ما يشاء و يؤخر ما يشاء فإذا كان ليلة القدر أنزل الله فيها كل شيء يكون إلى مثلها فذلك قوله: «و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» إذا نزله الله و كتبه كتاب السماوات و هو الذي لا يؤخر.